- نبذة تعريفية عن الصّديق 2- الصّديق
الداعية 3- الصّديق المنفق 4- تضحية الصّديق 5- من مناقب الصّديق : شجاعته 6- ثبات
الصديق
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
عباد الله، نتحدث اليوم عن رجل عظيم، جليل القدر، رفيع المنزلة، كان اسمه عبد
الله، وحقًا فقد كان عبدًا لله، عبده حق عبادته، وجاهد فيه حق جهاده، أنفق في
سبيله ماله كله، ونافح عن دينه، ونصر رسوله وصدقه وآمن به، وجهل فضله كثير من
الناس، وبخسوه حقه، بل حتى الخطباء، والوعاظ، والكتاب، كثيرًا ما يتجاهلونه؛ ربما
لأنه كان عظيمًا بجوار عظيم، كبيرًا بجوار كبير، رؤوفًا بجوار رؤوف، فطغت عظمة
الأول وقدره ومنزلته على عظمته ومنزلته. إنه عبد الله بن عثمان بن عامر،
أتعرفونه؟! أم فوجئتم بهذا الاسم؟ فالصفات التي ذكرناها ليست إلا لواحد من كبار
الصحابة، وعبد الله بن عثمان بن عامر من يكون؟! فنقول: لا تعجل أخي إنه أعظم
الصحابة، وأفضلهم، إنه الصديق، إنه ثاني اثنين إذ هما في الغار، إنه الرجل الذي
وزن إيمانه بإيمان الأمة، إنه أول الخلفاء الراشدين، وأول العشرة المبشرين، وأول
من آمن من الرجال، قال عنه الحبيب : ((لو كنت متخذًا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً،
ولكنه أخي وصاحبي))(1)[1]. وعن عمرو بن العاص أنه سأل رسول الله : ((أي الناس أحب
إليك؟ قال: عائشة، قلت: ليس من النساء، قال: أبوها))(2)[2].
فعن هذا الحبيب للحبيب نتكلم اليوم، ونحن نعرف أننا لن نفيه حقه، ولا بعضًا من
حقه.
ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وصحب الرسول سنة قبل البعثة، وسبق إلى
الإسلام واستمر معه طوال إقامته في مكة وفي الهجرة والغار، وشهد معه المشاهد كلها
إلى أن مات، وكانت الراية معه يوم تبوك، وحج بالناس في السنة التاسعة في حياة
الرسول ، واستمر خليفة الأرض بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، ولقب بخليفة رسول
الله.
أما صفته الخَلْقِية: فقد كان أبيضًا، نحيفًا، خفيف العارضين لا يستمسك إزاره على
حقويه؛ لشدة نحافته، معروق الوجه – أي: قليل لحم الوجه – غائر العينين، ناتئ
الجبهة، عاري الأصابع.
أما صفاته الخُلقية: فقد جمع الفضائل كلها، وكان أشبه ما يكون بالحبيب محمد فقد
كان صِدِّيقًا أوَّاه شديد الحياء، كثير الورع، حازمًا،رحيمًا، تاجرًا، كريمًا،
شريفًا، غنيا بماله وجاهه وأخلاقه، لم يشرب الخمر قط؛ لأنه سليم الفطرة، سليم
العقل، ولم يعبد صنمًا قط، بل يكثر التبرم منها،ولم يؤثر عنه كذبًا قط، بل كان
صديقًا، وقيل في الأمثال: إن الطيور على أشكالها تقع، وهذه حقيقة تمثلت بالحبيب
وصاحبه فما أشبه أحدهما بالآخر.
لما جاء الإسلام سبق إليه، وأسلم كثير من السابقين على يديه، فقد أسلم على يديه
خمسة من العشرة المبشرين بالجنة: هم عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن
عوف رضي الله عنهم أجمعين وورد عنه أنه قال: ((ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت
له عنه كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر ما عتم حين ذكرته له))(3)[3]. ما تردد فيه
وما عتم ـ أي: ما تأخر ـ .
أما عن ألقابه، فقد كان يلقب بالصديق، ومعلوم منزلة الصديقين عند ربهم، وكفاه
فخرًا أن ينعت بالصديق، كيف لا؟! وهو النعت الذي ناله بسبب سرعته وتصديقه لرسول
الله كما كان يلقب بالعتيق، ولقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: لما سمي
أبو بكر عتيقًا؟ قالت: نظر إليه الرسول وقال: ((هذا عتيق الله من النار))(4)[4].
وقيل: سمي بذلك حين ولد، وقيل: سمي بذلك لجمال وجهه.
ولقب بالأواه؛ لرحمته ورأفته فهو الصديق والعتيق والأواه، رضي الله عنه وأرضاه،
ولعن كل من أبغضه وعاداه.
وكان أفضل الناس إسلامًا منذ أسلم، وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض مواقفه المشرقة
منها قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ
وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30].
ذكر عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: نزلت هذه الآية في أبي بكر، ذلك أن
المشركين قالوا: ربنا الله والملائكة بناته وهؤلاء شفعاؤنا. ولم يستقيموا(5)[5].
وقال أبو بكر: ربنا الله وحده لا شريك له، ومحمد عبده ورسوله. فاستقام. وكذلك أنزل
الله فيه قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى